منذ ذلك التاريخ يشكو أبناء العشائر العربية من غياب تحقيق العدالة، إذ برأيهم تحولت القضية إلى ملف مسلط على أهالي المنطقة، إذ يتم اعتقال وتوقيف مدنيين من طرف واحد بذريعة المشاركة بتلك الأحداث، فيما بلغ عدد الملاحقين والصادرة أحكام بحقهم 36 شخصاً جميعهم من “عرب خلدة”، تسعة منهم موقوفين صدرت بحقهم أحكام مشددة عن المحكمة العسكرية تراوحت بين خمس و10 سنوات سجناً مع أشغال شاقة، في حين يواجه عدد من المطلوبين “الفارين” عقوبة الإعدام.
وتحولت قضية “أحداث خلدة” إلى قضية رأي عام تحظى بتعاطف شرائح واسعة من اللبنانيين، في ظل إصرار أهالي الموقوفين والعشائر العربية على أن الأحكام التي صدرت عن المحكمة العسكرية “جائرة” ويطالبون بإلغائها، إذ يرى وجهاء العشائر أنهم “لن يسكتوا عن الظلم والاضطهاد الذي يواجهونه من قبل سلطة قضائية خاضعة”.
حماية قانونية لـ”حزب الله”
وعادت هذه القضية إلى الواجهة من جديد من خلال تحركات شعبية نفذها أهالي “خلدة” عبر قطع طريق بيروت – الجنوب لبعض الوقت تعبيراً عن غضبهم من الأحكام القضائية الصادرة بحق أبنائهم واحتجاجاً على الاستمرار في توقيفهم، وذلك قبيل الجلسة التي كانت مقررة، أمس الإثنين، وتم تأجيلها إلى 16 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وكان رئيس محكمة التمييز العسكرية القاضي جون قزي، أرجأ جلسة إعادة محاكمة موقوفي أحداث خلدة التسعة بسبب تغيب أحد المحامين عن الجلسة.
وفي وقت أبدى بعض الأهالي قلقه على مسار إعادة المحاكمات، طمأن القاضي قزي أنه “لن يحكم إلا وفق ضميره والقانون”، مؤكداً العمل على ترسيخ العدالة والأخذ في الاعتبار “قضية الموقوفين، حق الضحايا وحق الشعب اللبناني الذي نحكم باسمه”، وتمنى على أهالي الموقوفين عدم قطع الطرقات خلال سير المحاكمة.
يذكر أن مهمة محكمة التمييز العسكرية محصورة في إعادة استجواب الموقوفين فقط، مما يعني أنها قد تقرر إخلاء سبيل بعض الموقوفين أو تخفيف عقوباتهم، لكنها لن تتمكن في استجواب أي عنصر تابع لـ”حزب الله”، الأمر الذي اعتبرته أوساط قانونية أن الحزب استطاع التحكم بالملف منذ بدايته من أجل ضمان عدم تحريك أي دعوى أو ملاحقة أي عنصر تابع له في المستقبل.
حجب داتا كاميرات
من جهتها، كشفت المحامية ديالا شحادة، وهي من فريق الدفاع عن الموقوفين، أنه لا أسباب سياسية وراء تأجيل جلسة، بل تأخر وصول محامي وكيلين من الموقوفين عن موعد الجلسة في وقت كان القاضي والمستشارين وممثل النيابة العامة العسكرية ينتظرون وصوله لنحو الساعة.
وأوضحت أن الجلسة التي تأجلت كانت مهمة كونها مخصصة لاستجواب الموقوفين التسعة، إذ سيكون متاحاً لهم دحض الاتهامات الموجهة إليهم والبت بطلبات إخلاء سبيلهم وتعين جلسة للاستماع إلى الشهود.
وقالت إن فريق الدفاع سيثير خلال الجلسة، إن التوقيفات والملاحقات والمحاكمات طالت أبناء عشائر خلدة الذين كانوا في حالة دفاع عن بيوتهم ومنطقتهم، واستثنت كلياً عناصر “حزب الله” الذين ظهروا عبر مقاطع فيديو بالصوت والصورة مدججين بالسلاح ويطلقون النار على السكان في خلدة.
وأشارت إلى أن مراحل المحاكمة شهدت تدخلات وضغوطاً على القضاء، كاشفة أنه تم تقديم شكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضد 13 عنصراً من “حزب الله” تم تبيان كامل هوياتهم، وهي مرفقة بصورهم وأرقام سياراتهم، لكن لم يتم استدعاء أي عنصر منهم للتحقيق، ولا تزال الشكوى في أدراج مدير استخبارات جبل لبنان. وقالت إن عديداً من الأدلة حجبتها استخبارات الجيش (تحديداً داتا كاميرات المراقبة) عن المحكمة وعن جهة الدفاع.
موجة عنف جديدة
وفي السياق، حذر والد أحد الموقوفين التسعة (طلب عدم كشف اسمه)، مما قد يسببه تغييب العدالة وتسييسها من موجة عنف جديدة، إذ يرى أنه في الأساس “السياسة” منعت تحقيق العدالة لأهالي خلدة عندما أعدم الطفل حسن غصن في 13 من عمره، قبل عام من وقوع العمل الثأري والأحداث، كذلك يعتبر أن “السياسة” أيضاً منعت الجيش والأجهزة الأمنية من حماية أهالي خلدة عند بدء “حزب الله” باستفزاز المواطنين وتسيير المواكب المسلحة قبل نصف ساعة من اندلاع الاشتباكات.
ونوه بأنه بعد الأحداث حصلت مفاوضات بين “حزب الله” وممثلين عن أهالي خلدة من أجل التوصل إلى تسوية في شأن الأحكام، إلا أن الحزب انقلب عليها لاحقاً لتحويلها إلى ملف “ابتزاز”، وتم حماية ووقف تعقب بعض الملاحقين بعد انضمامهم إلى “سرايا القدس” وهي مجموعة من “السنة” تابعة لـ”حزب الله” تنشط، أخيراً، في تلك المنطقة، إضافة إلى استقطاب مشايخ من العشائر وإرغامهم على تشكيل وفود لزيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري وطلب إدخاله في الوساطة.
نبض “السنة”
وفي السياق، قال المحلل السياسي المتابع للشؤون الإسلامية أحمد الأيوبي، إن هناك إمعاناً في استهداف الطائفة السنية من خلال عدة ملفات أحدها قضية “أحداث خلدة”، عبر قضاء يمتثل لإرادة “حزب الله”، معتبراً أن المحكمة العسكرية تمثل أداة قضائية للحزب.
ورأى أن العشائر العربية تمثل نبض “السنة” في لبنان، وأن استهدافها هو نيل من الطائفة، لافتاً الانتباه إلى أن الضغوط السياسية والشعبية التي مورست بوجه الأحكام الجائرة للمحكمة العسكرية والتي وصلت إلى عقوبة الإعدام بحق الموقوفين، هي التي أعادت التوازن في “المعركة”.
وحذر أنه في حال لم تتحقق العدالة عبر تصويب الأحكام خلال إعادة المحاكمة، “فإننا ذاهبون إلى انفجار حقيقي، إذ من غير المسموح استفراد العشائر ووضع هذا الكم من الظلم بحقها”.
وتطرق إلى أن القضاء العسكري أمام فرصة لإعادة التوازن في عمله، بعدما تم اعتقال عشرات الشباب نتيجة ضغط مباشر من قبل أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله الذي تحدث جهارة في الإعلام عن لوائح متهمين لتوسيع دائرة الاعتقالات، سائلاً كيف يقبل القضاء أن يحدد الحزب مساره وعمله، كما انتقد “تيار المستقبل” الذي يجاري الحزب في تدخلاته وإضعاف “السنة” في لبنان.
نواب يتوسطون بري
وفي وقت سابق وضمن إطار محاولة إجراء “تسوية” قضائية، زار وفد من شيوخ العشائر العربية في خلدة، بمشاركة النائبين محمد سليمان ومحمد خواجة، رئيس مجلس النواب نبيه بري، داعياً إياه إلى “التدخل وبذل جهوده، من أجل إنجاز المصالحة في أحداث خلدة”.
وكان “حزب الله” قد أشار سابقاً في عدة بيانات إلى وجود وساطات مع العشائر لإجراء مصالحة في المنطقة وتخفيف حدة التوتر على خلفية الاشتباكات التي حصلت عام 2021، إلا أنه دائماً يتمسك بعدم تدخله في عمل القضاء.