Share

عائلات وقُصّر يواجهون المخاطر والموت برا وبحرا.. فجوة دارين - مغامرة تشبه عبور المتوسط ولكن إلى الحلم الأميركي
صحيفة العرب
Thursday, April 21, 2022
سُمع صوت امرأة مهاجرة من أنغولا، حامل في شهرها الخامس وتحمل حقيبة ظهر ثقيلة عبر امتداد غير قانوني من الغابات المطيرة الكولومبية، وهي تقول “لا” للمرة الثانية لحمال عرض عليها مساعدتها على نقل حقيبتها مقابل 20 دولارا.

مثل هذه الحكايات تتكرر على امتداد البحر المتوسط وحتى على الطريق البرية الرابطة بين تركيا والدول الأوروبية، آخرها وصول طفلة تونسية تبلغ ثلاث سنوات من دون ذويها إلى السواحل الإيطالية في قارب يضم مهاجرين غير قانونيين.

حذر الرجل المحلي قوي البنية المرأة الحامل في بداية الرحلة التي يبلغ طولها 96 كيلومترا نحو بنما المجاورة، قائلا “ستصبح الرحلة أكثر صعوبة، ستكون أمامنا المزيد من الجبال”، فهزت رأسها وتقدمت إلى الأمام على طول الطريق الموحل شديد الانحدار.

وكانا ضمن طابور متعرج من العشرات من الرجال والنساء والأطفال يشقون طريقهم إلى فجوة دارين، في طريق غابي محفوف بالمخاطر يستخدمه عدد قياسي من المهاجرين العازمين على الوصول إلى الولايات المتحدة.

ووفقا لوكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن البعض يحمل رضعا وأطفالا، وآخرين مناجل للدفاع عن أنفسهم من الثعابين، لكن العديد منهم كانوا غير مجهزين بشكل جيد للرحلة التي تستمر أياما والتي مات خلالها أو اختفى ما لا يقل عن 51 مهاجرا العام الماضي.

طوابير وقوارب

إذا كانت طوابير المهاجرين غير الشرعيين تستمر في رحلاتها المحفوفة بالمخاطر، فإن أخبار قوارب الموت المنطلقة من جنوب المتوسط إلى شماله تملأ الصحف المحلية والدولية يوميا، من وصول العشرات من المهاجرين إلى السواحل الإيطالية أو الإسبانية أو حتى اليونانية إلى إحباط محاولات هجرة غير نظامية، أما أسوأها فهو غرق قارب مهاجرين غير شرعيين في البحر.

وفي آخر الأخبار تمكن الحرس البحري التونسي (الدرك البحري) خلال الليلة الفاصلة بين الثلاثاء والأربعاء من إحباط 13 عملية هجرة غير نظاميّة باتجاه إيطاليا وإنقاذ 177 شخصا.

ومن بين المهاجرين 125 شخصا من دول أفريقيا جنوب الصحراء والبقية تونسيون.

وتتنامى في تونس ظاهرة الهجرة غير النظامية بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى أوضاع مماثلة وحروب في دول أفريقية أخرى.

وبلغ عدد المفقودين في البحر المتوسط منذ بداية العام الجاري 544 شخصا، بحسب “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” (خاص).

وتكشف أحدث الأرقام الرسمية اعتراض أكثر من 22500 مهاجر قبالة السواحل التونسية منذ بداية العام الحالي، بينهم نحو 11 ألفا من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

رحلات مكلفة

من بين المجموعة التي تسعى للعبور إلى الولايات المتحدة شقيقان من عائلة مزارعين نيبالية. ورهن والداهما قطعة الأرض الصغيرة التي تمتلكها العائلة، ونالا قرضا بقيمة 6 آلاف دولار لدفع تكاليف رحلة الأخوين الباحثين عن عمل.

ويوجد أيضا الفنزويليون المعوزون الذين فروا من سنوات من الفوضى السياسية والاقتصادية، وبطل ملاكمة كونغولي سابق وشبان طردوا من ديارهم بسبب الصراع في الكاميرون وعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.

ووفقا للسلطات البنمية، عبر 133 ألف شخص في العام الماضي فجوة دارين، بما في ذلك 29 ألف طفل.

وفي أغسطس وحده، عبر 32 ألف مهاجر الفجوة، بما شكّل زيادة قدرها 40 ضعفا عن الشهر نفسه من العام الماضي، وفقا لهيومن رايتس ووتش.

وعاش طالب الزراعة الغاني البالغ من العمر 24 عاما، عبدو، في البرازيل لعدة سنوات قبل أن يقرر التوجه إلى الولايات المتحدة. وقال “أبحث عن مراع أكثر اخضرارا. حياة أفضل. قيل لي إن الطريق ليس سهلا”.

اختبار التحمل

يسافر العديد من المهاجرين من أفريقيا وآسيا إلى الإكوادور والبرازيل حيث تسمح قيود التأشيرة القليلة بنقطة دخول سهلة إلى الأميركتين. ويتجهون من هناك شمالا، كما يسافر هؤلاء في رحلات برية شاقة للوصول إلى ليبيا وتونس والمغرب والجزائر للعبور إلى أوروبا عبر إيطاليا وإسبانيا.

وتفوق الفنزويليون على الكوبيين والهايتيين كأكبر جنسية تعبر هذا العام حيث أن قيود التأشيرات الجديدة التي فرضتها العديد من دول أميركا اللاتينية تصعب عليهم السفر إلى المكسيك وأميركا الوسطى. وفرّ حوالي ستة ملايين فنزويلي من وطنهم منذ 2014.

ومع ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في أميركا اللاتينية وأمل أن يمنح الرئيس الأميركي جو بايدن المزيد من الفنزويليين وضع الحماية المؤقتة أو اللجوء، فإن العديد من الفنزويليين يختارون الرحيل مرة أخرى.

وكان ويلبار البالغ من العمر 19 عاما مسافرا دون جواز سفر وبحوزته 90 دولارا في كتابه المقدس. وغادر فنزويلا عندما كان عمره 15 عاما ويعمل في مواقع البناء في كولومبيا منذ ذلك الحين.

ولدفع تكاليف الرحلة، نام في العراء لعدة أسابيع لتوفير الإيجار وخيم على الشاطئ في بلدة نيكوكلي الساحلية الكولومبية حيث حصل على 30 دولارا من جمع البلاستيك والكرتون لبضعة أيام.

وقال ويلبار وهو يحمل حقيبة ظهر صغيرة مغلفة بالبلاستيك لحمايتها من الرطوبة والأمطار المتكررة في الغابة “هناك فرص أفضل في الولايات المتحدة… هدفي هو شراء منزل لأمي وشقيقتي في فنزويلا”.

ومثل العديد من المهاجرين، شاهد ويلبار مقاطع فيديو على تيكتوك تظهر مهاجرين مستلقين مرهقين في الوحل، أو أطفالا جرفتهم تيارات الأنهار المليئة بالتماسيح.

وتعد الرحلة بمثابة اختبار للقدرة على التحمل حتى بالنسبة إلى الشباب والمتمتعين باللياقة.

وفي أقل من ساعة، كان الأشخاص المثقلون بالأمتعة وزجاجات المياه سعة ست لترات يكافحون بالفعل للتحرك ويحتاجون إلى فترات راحة متكررة.

ويختار الكثيرون ترك الملابس والأحذية والأمتعة غير الضرورية متناثرة في أرضية الغابة.

مركز تجاري

بالنسبة إلى نيكوكلي ومدينة كابورغانا السياحية القريبة، ازدهر الاقتصاد المحلي الذي استبدل البيزو الكولومبي بالدولار الأميركي لتلبية احتياجات المئات من المهاجرين الذين يمرون عبرالمنطقتين كل يوم.

وتفوق المهاجرون على السياح في نيكوكلي بصفتهم المحرك الرئيسي للاقتصاد المحلي.

وقال جيرمان جوليو وهو صاحب نزل “اعتدنا الانتظار حتى الموسم السياحي. لم يعد علينا أن ننتظر الآن لأن المهاجرين يمرون من هنا على مدار العام… لن تنتهي الهجرة أبدا”.

وقال ويلفريدو مينكو رئيس مكتب أمين المظالم في نيكوكلي، وهو وكالة حكومية لحقوق الإنسان، إن حوالي 750 مهاجرا في المتوسط ​​مروا عبر البلدة هذا العام.

ويتعامل المرشدون والحمالون وشركات القوارب وأصحاب النزل والمطاعم والصيدليات والباعة المتجولون والصرافون مع المهاجرين بالدولار غالبا.

وقالت غراسييلا ليون البالغة من العمر 63 عاما وهي تدير كشكا على طول ممر شاطئ نيكوكلي يبيع المناجل والخيام والأحذية المطاطية والمستلزمات الغابية الأخرى “كنت ربة بيت ولم يكن لدي عمل”، لتضيف “بفضل المهاجرين غير الشرعيين أصبح لي محل تجاري أبيع لهم مستلزمات رحلتهم الشاقة”.

وقال السكان المحليون إن طريق الهجرة هو مركز تجاري تقدر قيمته بالملايين من الدولارات، ويمثل خطا هامشيا مربحا بشكل متزايد لأكبر وأقوى كارتل مخدرات في كولومبيا، على الرغم من أن معظمهم كانوا مترددين في مناقشة التفاصيل.

ويتحكم الكارتل في من يدخل فجوة دارين ويقتطع من أرباح معظم الأعمال المحلية، بما في ذلك تلك التي تخدم المهاجرين.

وقال مينكو إن هناك “حصة تذهب إلى الجماعات غير القانونية”.

وطلب العديد من الأشخاص عدم الكشف عن هوياتهم خوفا من الانتقام، وقالوا إن الكارتل فرض ضريبة حماية بنسبة 20 في المئة، تُعرف محليا باسم “فاكونا” أو اللقاح.

وقال أحد عمال الإغاثة الذي طلب عدم ذكر اسمه “لا تتحرك ورقة الشجر دون إذنهم”.

لكن سلطات الدولة غائبة إلى حد كبير في المنطقة وتميل إلى السماح للمهاجرين بالمرور نحو فجوة دارين.

مهاجمون مقنعون

ينتظر المهاجرون الذين يرتدون سترات النجاة في طوابير منظمة لركوب نفس القوارب المريحة التي يستخدمها السياح لعبور خليج أورابا من نيكوكلي، يدفعون 40 دولارا مقابل رحلة مدتها ساعتان للوصول إلى كابورغانا، حيث تبدأ الرحلة الغابية.

ويسلمون حوالي 160 دولارا لفرق منظمة من “المرشدين”، وهي تسمية يطلقها المهربون المحليون على أنفسهم.

وفي كابورغانا، حيث تنطلق الرحلة عبر الغابة، يتولى زعيم المجتمع المنتخب كارلوس ألبرتو باليستيروس مسؤولية 30 مرشدا، يقود كل منهم مجموعة من حوالي 25 مهاجرا.

وكان يحاول جاهدا أن يسلط الضوء على أن المهاجرين لا يتعرضون للإيذاء على طول فجوة دارين.

وقال “نريد الاعتراف بأننا نعتني بالمهاجرين وأن هذا ليس اتجارا بالبشر”.

ومع ذلك، تحذر الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة من أن العديد من المهاجرين يتعرضون لعنف شديد على أيدي قطاع الطرق المسلحين على طول المعبر.

وقالت منظمة أطباء بلا حدود الطبية الخيرية التي تدير مركزين لاستقبال المهاجرين في بنما إن 81 في المئة من مرضاها في الفترة بين أبريل 2021 ويونيو 2022 كانوا ضحايا لنوع من العنف أثناء الرحلة أو شهدوا وقوعه.

وتعاملت منظمة أطباء بلا حدود خلال تلك الفترة مع 456 حالة عنف جنسي، بما في ذلك حالات اغتصاب جماعي شملت مجموعات من 10 إلى 15 رجلا، بحسب ماريسول كوتشينو مديرة الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود.

وقال كوتشينو “أخبرنا المهاجرون أنهم رأوا أشخاصا يُقتلون على طول الطريق. وسُرقت أموالهم، حتى الطعام والأدوية والأحذية”.

وبالعودة إلى الطريق الغابي مع اقتراب الغسق، نصب العشرات من المهاجرين المرهقين خياما وأضرموا مواقد التخييم للطهي في المخيم الأول بينما كان الأطفال يلعبون في نهر قريب ويغسل آخرون الطين من أذرعهم وأقدامهم وأرجلهم.

عائلات تغامر مع أطفالها

قالت ميسيولي، وهي مهاجرة تسافر مع أطفالها الأربعة وزوجها “يسأل الناس ‘كيف يمكنكم فعل هذا مع الأطفال؟’ لكن من المؤلم أكثر ترك أطفالنا وراءنا في فنزويلا”.

وبعدما يجتازون جدار الغابة، سيواجه المهاجرون رحلة تقارب 4 آلاف كيلومتر وخمسة حدود عبر أميركا الوسطى قبل أن يصلوا إلى أصعب حاجز على الإطلاق: الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وقالت ميسيولي وهي تستريح على ضفة النهر “نتحرك بمشيئة الله. الرب هو مرشدنا”.

ويذكر أن ظاهرة هجرة العائلات مع أطفالها انتشرت أيضا على الدول الواقعة جنوب المتوسط،  فالعائلات السورية تحاول الوصول إلى القارة الأوروبية من تركيا ولبنان وبعضها وصل إلى ليبيا وتونس ليستقل القوارب المتهالكة.

وهناك أيضا عائلات أفريقية وتونسية تغامر بحياة أطفالها في الرحلات التي صارت تعرف برحلات الموت لخطورتها.

ووصلت فتاة تونسية لا تبلغ من العمر سوى ثلاث سنوات دون عائلتها إلى الشواطئ الإيطالية، وتم احتجاز والديها من قبل السلطات التونسية بتهمة “تكوين وفاق من أجل عبور الحدود البحرية خلسة”.

وكان من المفترض أن تشارك العائلة المؤلفة من الأب والأمّ وابنة تبلغ سبع سنوات فضلا عن الطفلة في عملية الهجرة، لكن الأب سلّم الطفلة لأحد المهربين على متن القارب وعاد ليساعد زوجته وابنته غير أن القارب انطلق ووصل إلى جزيرة لامبيدوزا، دون أن تصل بقية العائلة.

وتظهر إحصاءات المنتدى الاجتماعي التونسي أنه منذ مطلع العام الحالي وحتى أغسطس الماضي تمكن 2635 قاصرا من بينهم 1832 من دون مرافقة عائلية من الوصول إلى السواحل الإيطالية.

وتجد السلطات التونسية صعوبات في عمليات اعتراض المهاجرين أو إنقاذهم بسبب نقص المعدات.

ومع تحسّن الأحوال الجوية تتزايد وتيرة محاولات الهجرة غير النظامية انطلاقا من السواحل التونسية والليبية نحو إيطاليا وتنتهي أحيانا بحوادث غرق.

وتجوب منظمات خاصة عبر البحر المتوسط لإنقاذ مهاجرين من أي محنة في البحر.

وينتهي الأمر بالكثيرين في إيطاليا، أما البقية فيلفظهم البحر على الشواطئ جثثا أو يقعون ضحية نصب واحتيال من قبل المهربين فيضعونهم في جزر تونسية.

ووصل 76 ألفا و700 مهاجر على متن قوارب حتى الآن هذا العام، حتى الخميس، طبقا لبيانات صادرة عن وزارة الداخلية التونسية. وفي نفس الفترة العام الماضي كان الرقم أقل بقليل من 50 ألفا و900.

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top