الرئاسة في بعبدا والقرار من دمشق ... إلياس الهراوي... عهود ما بعد الطائف
نجم الهاشم - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
خمسة رؤساء للجمهورية تعاقبوا على السلطة في لبنان بعد اتفاق الطائف الذي أقر في الـ 22 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1989، ومنذ ذلك التاريخ لم تنتظم الحياة السياسية والرئاسية.
بدأ الفراغ مع حكومة العماد ميشال عون وتكرر في آخر عهد الرئيس أميل لحود ثم الرئيس ميشال سليمان، وها هو يتكرر مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
هذه السلسلة تتناول العهود الرئاسية بعد الطائف في لبنان، وهذه الحلقة عن عهد الرئيس إلياس الهراوي.
قبل ذهاب النواب اللبنانيين إلى الطائف سعى الرئيس إلياس الهراوي ليكون رئيساً للجمهورية حتى قبل انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في الـ 22 من سبتمبر (أيلول) 1988، وقد حاول ذلك من خلال وضع اسمه بين الأسماء التي كان يتم اقتراحها وتداولها مع النظام السوري من طريق الأميركيين وغيرهم، لكن الفرصة لم تصل إليه إلا بعد اغتيال الرئيس الأول لمرحلة ما بعد الطائف رينيه معوض.
الزحلاوي العفوي
في عام 1972 انتخب إلياس الهراوي نائباً بالبرلمان اللبناني عن المقعد الماروني في منطقة زحلة بالبقاع، وهو لم يكن النائب الأول من عائلته، ومنذ ذلك التاريخ سيكون له حضور في الحياة السياسية اللبنانية، لكنه بقي حضوراً محدوداً مميزاً بشخصية عفوية وقروية زحلاوية.
ولو خير النظام السوري بينه وبين رينيه معوض في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 بعد الطائف لكان اختاره بالتأكيد، لكن معوض كان صار رئيساً منذ بدء الإعداد للطائف.
ذهب إلى الطائف مرشحاً أكيداً وعاد منه رئيساً، قرار رئاسة معوض اتخذ خارج لبنان وبعيداً من القرار السوري، وعلى رغم ذلك لم يمتنع الهراوي عن ترشيح نفسه في جلسة انتخاب معوض ليحصل على خمسة أصوات فقط.
في كتابه "عودة الجمهورية من الدويلات إلى الدولة"، يروي الرئيس إلياس الهراوي أن رئيس مجلس النواب حسين الحسيني توجه إلى دمشق فوراً بعد اغتيال معوض، إذ تم البحث في عدد من الأسماء المرشحة لتحل محله، وأنه عندما التقى الرئيس السوري حافظ الأسد للبحث معه في هذا الموضوع قال له الأسد "اذهب واجمع النواب وانتخبوا إلياس الهراوي".
على عجل في الـ 24 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 تم جمع النواب الذين كانوا في لبنان أو عادوا من الخارج من طريق مطار دمشق في فندق "بارك أوتيل" في شتورا، وانتخبوا إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية.
وعبر خطاب القسم تحدث الرئيس الجديد عن "سحق من سيقف في وجه مسيرة الدولة"، في إشارة إلى العماد ميشال عون رئيس الحكومة العسكرية الرافض تسليم السلطة، لكن القرار بالحسم كان في دمشق.
خروج عون ودخول الحريري
المرحلة الأولى التي مر بها حكم الرئيس الهراوي كانت ما بين انتخابه وما بين إزاحة تمرد العماد عون من قصر بعبدا في الـ 13 من أكتوبر 1990.
خلال هذه المرحلة أقام الرئيس الهراوي أياماً بمنازل الضباط في ثكنة أبلح العسكرية ثم انتقل إلى المقر الموقت في الرملة البيضاء، وتشكلت أولى حكومات العهد برئاسة الرئيس سليم الحص التي عينت العماد أميل لحود قائداً جديداً للجيش وانتظرت أن يأتي القرار من دمشق بعد استنزاف العماد عون في صراعه مع القوات اللبنانية بالمناطق الشرقية عبر حرب الإلغاء.
هذه الحرب أدت إلى تلقيه دعماً من النظام السوري والأحزاب الحليفة له في شكل يتعارض كلياً مع إرادة استعادة السلطة وتكريس شرعية العهد الجديد.
بعد لجوء العماد عون إلى السفارة الفرنسية بدأت مرحلة ثانية من عمر العهد تم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس عمر كرامي الأكثر قرباً من النظام السوري، بينما كان يتم تكريس السيطرة السورية على الأجهزة الأمنية والجيش من خلال تشكيلات جديدة ضمن ما سمي إعادة بناء الجيش.
وضمن هذا السياق تم تعيين النواب ليصبح العدد 128 بعد أن تم توزيع المقاعد الجديدة بطريقة توصل المحسوبين على النظام السوري، وتم حل الميليشيات من دون "حزب الله" مع استثناء إدخال من كانوا في القوات اللبنانية إلى الجيش والمدرسة الحربية، وكان هناك توجه واضح بتكريس الوصاية السورية على لبنان وفق توزيع جديد يحصر سلطة القرار بالنظام في دمشق.
في السادس من مايو (أيار) 1992 واجهت حكومة الرئيس عمر كرامي ما سمي "ثورة الدواليب" في الشارع بعد انهيار سعر صرف الليرة.
كان الرئيس الهراوي أبدى أكثر من مرة رغبته في أن يكون رفيق الحريري رئيساً للحكومة من دون أن يلقى موافقة سورية، وبعد استقالة الرئيس عمر كرامي اتخذ القرار في دمشق بتكليف الرئيس رشيد الصلح رئاسة الحكومة وفرض إجراء انتخابات نيابية على مراحل بين الـ 23 من أغسطس (آب) والـ 11 من أكتوبر بعد أن كان من المفترض أن تجري هذه الانتخابات ربيع العام 1994.
كانت هناك شكوك سورية في أن ثمة تنسيقاً مستتراً بين الرئيس الهراوي ورفيق الحريري والقوات اللبنانية لاستعادة التوازن في السلطة بعيداً من الوصاية السورية، فكان الرد عبر هذه الانتخابات التي أوصلت أكثرية موصوفة من الموالين للنظام السوري وقاطعتها الأحزاب المسيحية.
وبعدها أمسكت سوريا بالنظام من خلال هذا المجلس الذي صار رئيس "حركة أمل" نبيه بري رئيساً له بعد اعتراض الرئيس حسين الحسيني على نتائج الانتخابات، وأعطت الموافقة على أن يكون رفيق الحريري رئيساً للحكومة، لتبدأ معه مرحلة جديدة من عهد الرئيس الهراوي.
اعتقال جعجع
في يوليو (تموز) 1993 عاد الرئيس إلياس الهراوي إلى قصر بعبدا بعد ترميمه، لكن الرئاسة بقيت بعيدة من دورها، وخلال هذه المرحلة بدأ تطويق الرئيس رفيق الحريري من خلال الأجهزة الأمنية، وبدأ الضغط على القوات اللبنانية لإبعادها من السلطة، وأعطي "حزب الله" حق الاستمرار في حمل السلاح باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يسيطر على الشريط الحدودي.
في الـ 27 من فبراير (شباط) 1994 تم تفجير كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل بكسروان، وتم اتهام القوات اللبنانية بالعملية وحل الحزب بتاريخ الـ 23 من مارس (آذار)، واعتقل رئيسه سمير جعجع في الـ 21 من أبريل (نيسان) لأنه كان يعارض الطريقة التي يدار فيها الحكم ويطبق فيها الطائف.
قبل ذلك في الـ 21 من ديسمبر (كانون الأول) 1993 كان الرئيس الهراوي في طريقه إلى دمشق للقاء الرئيس حافظ الأسد بعد يوم واحد على تفجير بيت الكتائب بمنطقة الصيفي.
سمع من نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام الذي كان في استقباله على الحدود بين البلدين، ومن اللواء غازي كنعان كلاماً استشف منه أنه سيتم التعرض لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
عاد ليلاً من دمشق بعد لقائه الأسد وطلب من جعجع عبر طريق أحد الوسطاء أن يغادر لبنان لكن جعجع لم يفعل، وعلى رغم ذلك سار الرئيس الهراوي في عملية حل حزب القوات اللبنانية واعتقال جعجع الذي استمرت محاكمته طوال عهد الهراوي حتى عام 1998.
التمديد بقرار سوري
لكن ثمة جانباً آخر طغى على اللعبة السياسية في عهد الهرواي، وكان هناك توافق على القضاء على القوات وإخراجها من الساحة، لكن كان هناك صراع من نوع آخر يظهر في داخل التركيبة الحاكمة ويعكس بعض ما يحصل داخل النظام في سوريا.
في الصراع مع إسرائيل شهد عهد الهراوي حدثين كبيرين، حرب "تموز 1993" وحرب "نيسان 1996" بين إسرائيل و"حزب الله"، الأولى أتت في زمن "اتفاقات أوسلو" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وفي زمن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط.
ونتيجة هذه الحرب صدر قرار من مجلس الوزراء بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب، مما اعتبر مؤامرة على سوريا و"حزب الله"، النظام الأمني اتهم الحريري والهراوي بأنهما حاولا تمرير القرار، بينما قائد الجيش العماد أميل لحود أفشله ورفض تنفيذه.
وفي أبريل 1996 تم التوصل إلى ما سمي "تفاهم نيسان" لوقف النار الذي كان للحريري دور فيه بالتنسيق مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، مما وضعه موضع شك نتيجة قدرته على هذا المستوى من التواصل الدولي.
هذان الخطان اللذان مثلهما الحريري والنظام الأمني عكسا ما ظهر لاحقاً بأنه نوع أيضاً من الصراع داخل سوريا على مرحلة ما بعد الرئيس السوري حافظ الأسد.
وفي يناير (كانون الثاني) 1994 قتل باسل الأسد ابن الرئيس في حادثة سيارة، وكان يتم إعداده لخلافة والده الذي كان يعاني مرضاً يمنعه من العمل المباشر لوقت طويل، ويقلل من سيطرته على الوضع.
لاحقاً سيظهر هذا الخلاف بين محورين، نائب الرئيس عبدالحليم خدام ومعه رئيس الأركان حكمت الشهابي، وبين المحور الذي يريد أن يجعل بشار الأسد الابن الثاني للرئيس هو القادر على تولي السلطة.
تم ربط الحريري بالمحور الأول على خلفية أنه محور سنّي، وتم ربط قائد الجيش أميل لحود والنظام الأمني بالمحور الثاني باعتبار أنه علوي، وهذا الصراع لم يكن بعد قوياً وظاهراً في العام 1995 عندما حان وقت انتخاب رئيس جديد للجمهورية في ظل رئاسة حافظ الأسد، ومن هذا المنطلق تم التوافق على التمديد للرئيس إلياس الهراوي.
قيل إن خدام والشهابي مع الحريري كان لهم تأثير على الأسد في القرار، وقيل إن التمديد كان ضرورياً من جل استهلاك مزيد من الوقت في إعداد العدة اللازمة لتولي بشار الأسد الرئاسة في سوريا.
والواقع أن الأسد فاتح الهراوي في هذا الموضوع قبل ثمانية أشهر من انتهاء ولايته، وأبلغه أنه سيتم التمديد له وطلب منه في الوقت نفسه التمديد لقائد الجيش أميل لحود، وقبل شهر تقريباً أعلن الأسد القرار في حديث إلى صحيفة "الأهرام" المصرية، قال فيه إن هناك توافقاً في لبنان على التمديد للرئيس الهراوي.
طلب التمديد انطلق دستورياً من مجلس الوزراء برئاسة الرئيس رفيق الحريري وتولى رئيس مجلس النواب نبيه بري تطبيقه في الـ 19 من أكتوبر 1995.
السنوات الثلاث الممددة ظهرت كأنها محاولة لشراء الوقت، ولو لا حرب أبريل 1996 لكانت مرت من دون أن تتخللها أحداث كبرى، أمضى الرئيس الهراوي هذه المدة زائراً عدداً من الدول والرؤساء، لكن الحدث الأبرز كان في مايو 1997 خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى لبنان.
تلك الزيارة كانت مقررة في مايو 1994، لكن تفجير كنيسة سيدة النجاة في زوق مكايل واعتباره موجهاً ضد زيارة البابا أدى إلى قرار الفاتيكان إلغاءها، وزيارة البابا أعطت أملاً في أن الوضع القائم في لبنان يمكن أن يتغير، لكن بعد عام ونيف كان الرئيس السوري أيضاً يتخذ القرار الذي تأجل ثلاثة أعوام ويبلغ الرئيس الهراوي في دمشق أنه سيتم انتخاب العماد أميل لحود رئيساً للجمهورية، وسيتم تعديل الدستور لهذه الغاية ولمرة واحدة فقط في طريق عودته من دمشق اتصل الهراوي بلحود وأبلغه القرار.
ملاحظة : نحن ننشر المقالات و التحقيقات من وسائل الإعلام المفتوحة فقط و التي تسمح بذلك مع الحفاظ على حقوقها ووضع المصدر و الرابط الأصلي له تحت كل مقال و لا نتبنى مضمونها