إنّ النظام البرلماني نموذج يقوم على مبدأ التوازن والتعاون والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث القائمة التشريعية التنفيذية الإجرائية، وهذا الفصل يتسّم بالمرونة وأساسه التعاون وليس التنافس أو الصراع. ويتصف هذا النظام بفصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان وتستمِّدْ شرعيتها منه طبقًا للمادة /64/ الفقرة الثانية، والتي تنص «... ولا تُمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيِّق لتصريف الأعمال».
الواضح من خلال الأحداث، أنّ طبيعة النظام السياسي اللبناني بعد التعديلات التي أُدخلت على النظام إستنادًا للدستور الجديد، غيّرتْ نوعًا ما طبيعته. والظاهر أنّ أغلب السّاسة اللبنانيين لم يُجمعوا على توصيف طبيعة هذا النظام، ومن الملاحظ أنّ كل سياسي يقرأ ما يحلو له في هذا النظام، وبصريح العبارة بما يخدم مصالحه أو مصالح القوة التي أتتْ به إلى مركز السلطة سواء أكانت محليّة أو إقليمية أو دولية، وعلى الأرجح قوة إقليمية - دولية. كل قرأة تُظهّرْ وفقًا للحالة التي تتناسب مع المجموعة التي تتولّى قراءتها وحتى صياغتها.
في جولة توثيقية يُلاحظ أي باحث تعثُّرْ المؤسسات الحكومية وفشلها في الإلتزام بما ينص عليه الدستور، وفي هذه الحالة يُبرِّرْ المسؤولون عن الشأن العام تجنُّبْ التعاون مع هكذا نوع من المشاكل، ويستندون على تفسيرات ضيّقة للقانون أو للدستور المعتمد. في مبدأ العلوم السياسية تُعتبر الأزمة الدستورية مشكلة أو تضاربًا في وظيفة الحكومة التي يُنظر إلى الدستور أو غيره من القوانين الأساسية المعتمدة على أنّها غير قادرة على حلِّها. وقد تنشأ الأزمة من مجموعة متنوعة من الأسباب الموجبة، وعلى سبيل المثال قد تعمد حكومة ما إلى تمرير قانون معيّن يكون مخالفًا للدستور المعتمد. إضافةً إلى هذا الأمر تنشأ الأزمات الدستورية أحيانًا من صراعات بين مختلف مكوّنات الحكومة. ويعتبر العلم السياسي في حالة النزاع، يمكن أن تؤدي الأزمة الدستورية إلى الشلل الإداري وانهيار النظام وفقدان الشرعية السياسية أو ربما إلى حروب داخلية.
إستنادًا للعلوم السياسية، تُعّد كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية محوري النظام، من خلال مبدأي التداخل وعلاقة التأثير والتأثُّرْ الذي يطبعهما. لبنانيًا ولمعرفة واقع هاتين السلطتين على أي باحث الأخذ بعين الإعتبار واقع الأحداث التي مرّت وما زالت تمُّرْ على لبنان، ونتيجة التجارب والتراكمات السابقة. وهذا ما يدعو إلى التفكير في إعادة وضع قواعد دستورية تضمن إستقرار الجمهورية ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية. كما أنّ العلوم السياسية تؤكّد مبدأ فصل سلطات الحكم، باعتبار أنّه مبدأ سلطوي يقضي بمنح صلاحيات الحكم لسلطات منفصلة ومستقلة، والهدف خلق توازن بينها وتفادي تركيز قوة بيد سلطة واحدة، وذلك بهدف الحفاظ على مبدأ الديمقراطية وحماية الحرّيات الفردية والحرّيات العامة.
مجرى الأحداث في لبنان يُظهِّرْ كل يوم مؤشرات جديدة تجعل تحديث النظام أمرًا ضروريًا بكل جوانبه. ولعلّ أكثر المؤشرات أهمية هي تلك التي تتصل بالحياة السياسية ونظام الحكم، خصوصًا أنّ لبنان يتجّه بخطوات سريعة نحو تطورات خطيرة غير مسبوقة، بما يستوجب أن تكون حركة المنظومة السياسية أكثر تطورًا وليونة. لا يُجادل باحث في العلوم السياسية أو أي خبير في نظُمْ الحكم، في أنّ مساحة الحرية في لبنان باتت ممسوكة، والديمقراطية في خبر كان، وهامش حرية الرأي مُعطّل. وهذه الأمور تؤخِّرْ تقدّم الوطن وازدهار الشعب. ومن الملاحظ أنْ البيئة السياسية الحالية بيئة حاضنة للدكتاتورية والمناخ الأمثل للطغيان وضعف المشاركة السياسية وغياب الرأي الآخر. وأصبح جليًا أنّْ النظام الحالي يمكن أن يودي باستقرار الجمهورية وسلامة الشعب ويدفع الأمور نحو الهاوية. ولعلّ المغامرات السياسية من ضرب للدستور والمغامرات العسكرية التي زجّت بها قيادات معينة انفردت بالقرار، خرجت عن النص الدستوري، وهي حتمًا نتاج دكتاتورية مستوردة وغياب الرؤية السلمية والنيِّرة.
الملاحظ حاليًا في لبنان، انّ هناك تقويضًا للدستور ونبرات عالية ضد الديمقراطية والإتجاه نحو مظاهر الاستبداد السياسي، مما يؤدي إلى اهتزاز الصورة بشكل متسارع. وتبرز حاليًا بعض المظاهر المتطرفة وتطلّ بشكلها اللئيم والعفن. إنطلاقًا من كل ذلك، ليست الواجبات الوطنية التي يتعيّن على المواطن القيام بها منحصرة بدفع الضرائب فحسب، إنما هنالك جملة من الواجبات العامة، كالمحافظة على النظام العام وفق منظومة سياسية وتوجّه مبني على أسُسْ قانونية ملزمة تُحتّم التقيُّد بها واتباع إرشاداتها، وهذا الأمر لا يأتي من دون عمل دؤوب وجهد مبذول وإخلاص مقرون بالصدق دون تسويف.
ممّا لا شك فيه إنّ المحافظة على النظام العام من أهم المسائل الضرورية في الحياة الوطنية، لأنّ المحافظة على النظام وعلى الدستور والقوانين تخدم مصالح الجميع وتضمن لأي مواطن حياة كريمة. وحتى يلتزم السياسي والمواطن بالنظام العام الذي هو الحجر الأساس، لا بدّ أن يكونا ملمّين بماهية هذا النظام وبمضمون الدستور وما يتعين عليهما فعله ليتحقق هذا الإلتزام. ويعود الدور في توفير هذه الشروط على كل من السياسيين والمواطنين، وعليهما أن يعتبرا أنّ مضمون الدستور مصان، وعليهما الإلتزام بمضمونه، والدستور ليس وجهة نظر أو ورقة مكتوبة غُـبّ الطلب.