بات الصاروخ البرتقالي والأبيض العملاق البالغ ارتفاعه 98 متراً موجوداً منذ أسبوع في موقع الإطلاق الشهير "39B" بمركز كينيدي للفضاء.
وقالت مديرة المركز جانيت بيترو في مؤتمر صحافي "يمكنكم أن تشعروا بوجود حماسة، ودرجة الطاقة زادت، وهذا ملموس".
ويتمثل الهدف من هذه المهمة التي أُطلقت عليها تسمية "أرتيميس 1" في اختبار الصاروخ "إس إل إس" (SLS) أي "سبايس لانش سيستم" (أو "نظام الإطلاق الفضائي") في ظل الظروف الفعلية للفضاء، وكذلك الكبسولة "أوريون" المثبتة على رأسه والتي ستؤوي الطواقم البشرية مستقبلاً.
أما هذه المرة، فلن يكون فيها سوى دمى زُوّدَت أجهزة استشعار لتسجيل الاهتزازات ومستويات الإشعاع.
وتتيح كاميرات موجودة في المركبة متابعة وقائع هذه الرحلة التي تستغرق في المجمل 42 يوماً. ولحظ البرنامج التقاط صورة "سيلفي" ذاتية مع الأرض والقمر في الخلفية.
وما إن تصبح الكبسولة "أوريون" في مدار القمر الذي يبعد 380 ألف كيلومتر عن الأرض حتى تنفذ دورة ونصف دورة حوله وتصل إلى مسافة 64 ألف كيلومتر وراءه، أي إلى نقطة أبعد من أي مركبة فضائية مأهولة قبلها.
وتكمن الغابة الرئيسية في اختبار درع "أوريون" الحرارية التي يُفترض أن تتحمل لدى عودة الكبسولة إلى الغلاف الجوي الأرضي سرعة تقرب من أربعين ألف كيلومتر في الساعة ودرجة حرارة أقل بمرتين من تلك الموجودة على سطح الشمس.
موازنة ضخمة...وتأخير
ساهم آلاف الأشخاص في الإعداد لهذه المهمة في الولايات الأميركية الخمسين وفي عدد من الدول الأوروبية.
وتتجه أنظار هواة الفضاء إلى الأحوال الجوية التي قد تشهد تقلبات في هذا الوقت من السنة. فالإقلاع لا يمكن أن يحصل مثلاً إذا كان الطقس ماطراً. وخصصت نافذة زمنية تمتد أكثر من ساعتين لعملية الإقلاع الاثنين، يمكن أن ينطلق الصاروخ في أي وقت منها، وحُدد تاريخان احتياطيان بديلان في حال لم يتسنَ له ذلك هما الثاني أيلول/سبتمبر والخامس منه.
وفي ما عدا هذه العامل الذي لا يمكن التحكم به، بات كل شيء جاهزاً، وقد أعطى مسؤولو ناسا الضوء الأخضر لإطلاق الصاروخ بعد تدقيق مفصّل أخير.
إلا أن المسؤول عن المهمة مايك سارافين نبّه إلى أن هذا لا يعني أن كل شيء سيسير بسلاسة أثناء الرحلة. وقال "ما نفعله بالغ الصعوبة، والمخاطر ملازمة له".
فرغم الاختبارات الكثيرة التي أجريت قبل الإقلاع، ستكون مختلف عناصر الكبسولة والصاروخ (غير القابل لإعادة الاستخدام) مجتمعة للمرة الأولى في وضعية الطيران، وقد تحصل مفاجآت.
وأكدت ناسا أنها ستجعل المركبة تعمل بأقصى طاقتها. فالمهمة ستُتابَع مثلاً حتى لو لم تُفتح الألواح الشمسية للكبسولة "أوريون" على النحو المنشود، وهي مخاطرة لم تكن الوكالة لتُقدم عليها لو كانت المركبة مأهولة.
غير إن نتائج فشل المهمة كلياً ستكون كارثية نظراً إلى الموازنة الضخمة التي خصصت لهذا الصاروخ (4,1 مليارات دولار لكل عملية إطلاق، وفقاً لتدقيق محاسبي عام)، وإلى تأخر المشروع (إذ طلبه الكونغرس الأميركي عام 2010، وكان من المفترض أساساً أن يُطلق عام 2017).
المريخ هدفاً
وخلافاً لبرنامج "أبولو" الذي لم يُتِح المشي على سطح االقمر سوى لرجال بيض، يلحظ برنامج "أرتيميس" إرسال أول امرأة وأول شخص ذي بشرة ملونة إلى القمر.
وتَلي هذه المهمة الأولى أخرى سميّت "أرتيميس 2" تنقل رواد فضاء إلى القمر، لكنهم لن يطأوا سطحه. وسيكون هذا الشرف من نصيب طاقم بعثة "أرتيميس 3" التي لن تحصل قبل 2025.
ولكن ما هو بالضبط الهدف ما من تكرار ما سبق القيام به؟
في الواقع، لن يكون القمر هذه المرة سوى منطلقاً نحو المريخ.
فعلى عكس مهمات "أبولو" التي كان لكل منها أهداف محددة لمرة واحدة، يهدف برنامج "أرتيميس" إلى إقامة وجود بشري دائم على القمر، من خلال بناء محطة فضائية ستحمل اسم "غايتواي" في المدار المحيط به، وإنشاء قاعدة على سطحه.
وسيكون القمر موقعاً لاختبار كل التقنيات اللازمة لإرسال بعثات بشرية إلى الكوكب الأحمر. وستكون "غايتواي" بمثابة محطة توقف ونقطة للتزود بالوقود قبل الرحلة الطويلة إلى المريخ والتي تستغرق أشهراً عدة على الأقل.
وقال رائد الفضاء السابق المدير المشارك في ناسا حالياً بوب كابانا "أعتقد أن (برنامج أرتيميس) سيكون مصدر إلهام أكثر مما كان أبولو".